ايام على المذبحة ..ليلة لن تمر

Posted: 20/10/2011 in Uncategorized


حينما تفقد عزيزا غالبا ما يراودك شعور بالذنب .. لماذا لم أمت بدلا منه؟ أو كيف ابتسم وقد ودعت عزيزا للتو ؟ لا يمكن ان تفهم ان يراودك نفس الشعور مع غرباء لم تقابلهم

قبل اكثر من عامين وبعد مقتل خالد سعيد وخروجنا للشارع متشحين بالسواد كان نفس الشعور ..هل نقوم بخيانة دم الشهيد اذا ابتسمنا وفرحنا وحقه مازال مهدرا .. ومرت الايام وذهبت الغصة وبقى دم الشهيد مهدرا .. وبقينا في انتظار

قامت الثورة ام الهبة او حركة الاحتجاجات الواسعة .. سمها ما شئت .. اطاحت برأس نظام وأبقت على هيكله بالكامل يعيد انتاج نفسه بنفس الشكل والصورة .. وسقط القتلى مرة اخرى .. ضحايا .. شهداء .. سمهم ما شئت .. وعدنا لنفس احساس الذنب .. لا تبتسم ولا تفرح ودمائهم لم تشربها الارض بعد ! ولماذا اختارتهم وتركتنا ؟


تأبين
في مسيرة تأبين مينا دانيال في ميدان طلعت حرب بكيت بحرقة رغم اني لم اعرف مينا شخصيا .. قابلتني فتاتين محجبتين ظللتا تربتان على كتفي واحتضتني احداهن وهي تبكي وقالت سينتهي الامر سريعا وحقهم سيعود .. لم اصدقها فلا يوجد دليل واحد على ذلك ! لم يعد حق أحد وصحت في وجهها بان الحقوق لا تعود وان من ماتوا فقد راحت دمائهم هدرا بالاساس .. ولا يجب ابدا ان نعد أم الشهيد او الضحية بان حق ابنها سيعود .. لان لا شيء يعود !ا

لم ترد الفتاة التي لا اعرفها ولكنها قالت لي انها تنتظر الشهادة منذ يوم 28 يناير ولا تأتي .. حلفت برب السماء والأرض انها تصلي يوميا في كل فرض من اجل نيل الشهادة ولا تأتي، وان مينا نالها ولذلك لا يجب ان نحزن .. وانا اريد ان اصدقها ! فان ماتت الحقوق على الأرض كأصحابها على الأقل هناك من يصدق ان هناك في مكان ما بعيد ثمة من يؤمن ان الحقوق ترد لاصحابها ولو في عالم آخر

وفي نفس المسيرة بقى صديق مينا على كتفي .. وهو شاب لم يكمل العشرين من عمره. حكي لي كثيرا عن مينا وكيف انه علمه الكثير عن السياسة وحب مصر. وفي نفسي كنت أقول انكما طفلين ياصديقي والحمل أكبر منكما. قال لي وسط دموعه “انا خايف مينا يدخل النار..أصله كان عنده فكر اشتراكي كده”. ابتسمت وقلت له ان الله سيحاسبه عن قلبه وانت لا تعلم ما كان في قلبه. وقال لي انه يريد ان يموت هو الاخر لانه ليس أحسن من مينا لكي يعيش .. كما لو ان هذه الارض لم تشبع من دماء افضل من فيها .. لم تشبع من دمائهم .. هؤلاء البارين ..

اختلف معهم كما شئت .. اختلف مع حقهم في التظاهر او مع خروجهم الي الشارع او حماستهم وغبائهم ايضا .. اختلف كما شئت .. ولكن لا تنسى ان هؤلاء هم من صدقوا ما كانوا يفعلونه .. من يقف في وجه النار ليدفع حياته ثمنا هو من يصدق .. وهؤلاء صدقوا حتى الموت .. وهذا يكفي

    الطائفية والحقوق المهدرة-على من نصرخ:

خرج الاقباط بالالاف في مسيرات انطلقت اغلبها من شبرا قبل يوم الاحد الاسود. وشاركت فيها. ولم اسمع هتافا واحدا ضد الاسلام او المسلمين. ربما كانت هناك هتافات طائفية من عينة (ارفع راسك فوق انت قبطي) وكانت دائما ما تجد معارضين لها فما ان يبدأ الهتاف ده ..يخرج هتاف آخر من شخص أكثر تعقلا (لينا اخوة مسلمين على اللي بيحصل مش راضيين ) وهكذا بحس مصري خالص كانت المحاولات تجري لاحتواء الهتافات الطائفية المثيرة للمشاعر وتحاول احتواء الطائفيين من المشاركين وهم ليسوا قلة.

لماذا خرجوا:
الامر اكثر من مجرد كنيسة مختلف عليها تم تسويتها بالارض او حرقها.. او كونها الكنيسة الثالثة او الرابعة التي تهدم وتساوى بالأرض ولا أحد يعاقب. تقوم الدنيا وتقعد وينتهي الامر بجلسات عرفية مخزية كأننا نتعامل مع علاقة غير شرعية نرغب في مواراتها بسرعة.
لم يجب أحد على السؤال الأزلي..ماذا يضير في بناء الكنيسة؟ ما الذي يؤذي احدهم في بناء يذكر فيه اسم الله؟
اين سيادة القانون قبل الثورة وبعدها؟
لم يخرج من خرج فقط لان ردود فعل الحكومة والمسؤولين كانت مخزية في افضل حالاتها ولا نقل متواطئة. بدءا من المحافظين مرورا بشرف الفاشل وانتهاء بالمجلس العسكري.
فرد الفعل الرسمي على كنيسة صول وموافقة العسكر على تدخل رجال الدين وقيادات السلفيين لحل المشكلة كانت كارثة حقيقية لم يلتفت اليها أحد. ليس لما فعلته تلك القيادات ولا لخطابها الاستعلائي أمام الالاف من ابناء المدينة اقباطا ومسلمين. ولكن في الحقيقة لان تلك الموافقة جاءت تكريسا لعزل الاقباط وتكريسا لكسر القانون واستمرارا لسياسة التمييز. فنحن نحل المشكلة ونسمح لكم بالكنيسة ليس لانها من حقكم كمواطنين كاملي الأهلية ولكن لسماحة وطيبة قلب المسلمين فقط. وهنا بغض النظر عن تلك السماحة .. هذا تكريس كارثي للطائفية وتمييز لطائفة فوق اخرى وقتلا لسيادة القانون ..

لم يخرج الاقباط من اجل هذا ايضا فحسب .. بل لأمر آخر ربما لم يلتفت اليه كثيرين. وهو الخوف الخالص. منذ اندلاع الثورة واثنائها كانت للكنيسة مخاوفها البراجماتية البحتة.. وقد عارضنا أهلنا كثيرا ايمانا بالثورة وتغلبنا على مخاوفنا الشخصية. فأنا لا اخاطب احدا من افراد اسرتي الكبيرة الا وقال لي “انتوا السبب خربتوا البلد وضيعتونا” كما لو انهم يتحدثون مع وائل غنيم مثلا :).

لذلك فانا اتجنبهم جميعا. قامت الثورة وانتهت الاحتجاجات وبقى مبارك في السجن وبقى نظامه في الحكم..وانهار الامن ..وظهرت خفافيش الظلام من كل شكل ولون. فما نقرأه من حوادث طائفية يحدث اضعافها ولا يسمع به الاعلام.
بدأت قيادات مختلفة من التيارات الاسلامية في ملء السمع والبصر في الصحافة والتلفزيون .. بداية من صبحي صالح وحتى عبود الزمر ومرورا طبعا بعبد المنعم الشحات.. ولكل منهم خطاب مختلف يمس جانب منه الاقباط ويخيفهم .. بدءا من تطبيق الشريعة واسلامية اسلامية إلى خطاب التكفير لكل قبطي والجزية ..بدأ صوتهم يغطي على صوت كل عقل .. وهنا شعر كثير من الاقباط بانهم اختفوا من الصورة تماما مما عزز مخاوف ما قبل الثورة واثناءها.

الكنيسة والدولة التي كانت:
موقف الكنيسة كان واضحا جليا .. براجماتيا حتى النخاع .. التفاوض هو الحل مع حكومات ما قبل الثورة. الاقباط في حظيرة البابا يحرك يمناه ويسراه ليحرك الملايين. واعتقدت الكنيسة والمجلس العسكري ان الامر استمر بعد الثورة ولكن لم تكن تلك الحقيقة الكاملة. فمن قبل الثورة وتحديدا مع بداية احداث القديسين تقريبا بدأ الاقباط يخرجون تباعا من عباءة الكنيسة ولكن على استحياء.
لتقوم الثورة ويضرب الاقباط برغبة القائمين على ادارة الكنيسة عرض الحائط. وبعد الثورة استمرت الكنيسة شهورا عديدة لا تدري ماذا تفعل بالضبط. انطلقت في دورات للتوعية السياسية..بعد ان ادركت ان ابنائها خرجوا للشارع. ولم تعرف سوى المفاوضات مع الحكام,, ولكن اليوم لا يوجد حكام من الاساس لا حكومة ولا غيره. والمجلس العسكري المخضرم عسكريا والمراهق سياسيا يصعب التعامل معه

كانت معطيات الكنيسة كالآتي من وجهة نظري التي تحتمل الكثير من الخطأ والصحة:
-انفلات أمني واستمرار لاعمال العنف الطائفي
-الحل الواضح الان ليس سيادة القانون ولكن الضغط عن طريق الشارع مثل الجميع لان الحكومة والمجلس لا يستجيبان إلا للشارع وليس للقانون
-المجتمع لن يساندك بسبب الطائفية المتجذرة فيه.. فالمجتمع ليس معك اصلا ان طالبت بحقوقك
-ميزان القوة يحكم بأن تتفاوض مع الحاكم.
-ان كنت خاسرا في كل الحالات تفاوض على أقل قدر من الخسارة
إذن هي طاولة المفاوضات مرة أخرى .. ولكن هذه المرة لم ينصاع الاقباط وخرجوا الي الشارع متحدين ارادة المجلس العسكري وارادة الكنيسة ايضا..التي رأوا انها تهاونت في حقوقهم في اطفيح وغيرها.. فاستجابوا لنداء الشارع وكان ما كان
وحتى بعد المذبحة عادت الكنيسة مرة اخرى للتفاوض على الحقوق..فخرج بيان المجمع المقدس الاول فاترا متخاذلا بحسب رأي البعض في انتظار رد فعل العسكر الحاكمين الذين لم يدركوا الاشارة او ربما تجاهلوها لقلة خبرتهم. فجاء المؤتمر الصحفي والبيان العسكري على اسوأ ما يكون. فشل ذريع انساني وسياسي .. انشغل اللواءات بتبرئة انفسهم والدفاع عن انفسهم وتناسوا انهم مسؤولين عن الشعب ومطالبين بتقديم تعهدات وتطمينات وتبريرات واضحة. لم يكلفوا انفسهم عناء الاعتذار عن الدم الذي شربه الاسفلت أمام مبنى العهر المهني المعروف بماسبيرو ولهذا شأن آخر. وحينما جاء بيانهم وكلامهم على تلك الشاكلة وفي مساء نفس اليوم .. جاء رد فعل البابا حادا مقارنة بالبيان .. فسارع العسكر في اليوم التالي بالزيارة لتهدئة الرجل ولاعزاء لأهل الشهداء ولا عزاء للقانون ولاعزاء للدولة. المجد للضغط بكل السبل .. هذا ما يكرسه حكامنا.

وبينما هؤلاء في واد .. كان الضحايا واحزانهم في واد آخر.. سارع النشطاء والمتهمين دائما بانهم يعيشون في برج عاجي افتراضي بالوقوف بجوار اهالي الضحايا ومساندتهم وجرت التبرعات من كل مكان للتأكد على توفير الحد الادنى من العدالة .. تأمين المستشفى، تأمين الجنازات، التأبين، مواساة اسر الضحايا، تشجيعهم على الادلاء بشهاداتهم وحماية أحراز القضايا ايضا !! ولا عزاء للدولة !!

ردود الفعل في الاسبوع السابق للاحد الدامي:

في المسيرات الثلاث التي شاركت بها وغيرها والتي غلب الاقباط على المشاركين فيها تباينت ردود الفعل من المارة في حي شبرا العتيق وفي منطقة وسط البلد وحتى ميدان التحرير. فلم تخرج ردود فعل المارة بين اندهاش وتساؤل واحيانا استياء. كان مشهد الصلبان الكبيرة والكثيرة يزعج المارة لان المشهد غريب ومختلف .. وربما اثار استياء بعضهم ايضا. وخلال مشاركتي في تلك المسيرات كنت اراقب سلوك المارة بالاضافة للمتظاهرين. كنت أجري على جوانب المسيرة لاسمع تعليقاتهم وارائهم والتي لم تخرج عن نظرات استياء احيانا وتعليقات مستاءة ايضا احيانا من كونها مظاهرة بالاساس واحيانا من كونها تجمعا للمسيحيين.

فكنت تسمع احدهم يقول “هم عايزين ايه؟” فيرد احد المشاركين “حرقوا لهم كنيسة ياعم والحكومة ساكتة ومحدش بيتعاقب” فيرد السائل “آه والله .. طيب ليه كده ده بيت بيذكر فيه اسم الله .. الحكومة دي فاشلة” وتعليقات اخرى من نفس النوع. واحيانا يتسائل المارة عن جدوى المظاهرة “يعني هيكسبوا ايه من تعطيل الشارع .. واحنا ذنبنا ايه بس؟ مايروحوا يشتكوا الحكومة” ..إلخ بينما اتذكر جيدا استياء بعض المارة من كثرة الصلبان المرفوعة وان كان احدا لم يعبر عن هذا الاستياء علنا .. ربما لكثر اعداد المتظاهرين وتجنبا لوقوع مشكلة.

يوم الثلاثاء السابق للاحد الاسود..خرجنا بالمظاهرة من دوران شبرا والمسيرة استمرت حتى شارع طلعت حرب ثم طافت وسط البلد حتى دار القضاء وقطع شارع رمسيس حيث شاهدت عجبا خالصا من المتظاهرين ومن جموع المارة وركاب السيارات الذين تعطلت حياتهم في انتظار مرور مسيرة غاضبة بيما استلقى المتظاهرون على ظهورهم في قلب شارع رمسيس متحدين الاحتكاكات ممن تعطلت مصالحهم بتعطل المرور.

جاءت سيدة بسيطة محجبة ترتدي جلبابا ريفي اسود .. كانت في حالة ثورة عارمة وغضب شديدين ..تسب المتظاهرين وتسب الاقباط ولاد ال…. كان عجيبا رد فعلها وانها لا تخشي الجموع الغاضبة الذين تحلقوا حولها. أنقذ الموقف بعض المتظاهرين المسلمين الذين تحدثوا معها .. احدهم عرف نفسه بانه احمد وسألها لماذا تسبهم .. فقالت لهم ان هؤلاء المسيحيين “بيشتموا الاسلام والمسلمين”. وحينما اوضح لها “أحمد” الموقف وان مشكلتهم مع الحكومة والمجلس العسكري مش مع المسلمين..اندهشت المرأة كثيرا .. واعتذرت .. ثم انشغلت في حوار طويل مع امرأة مسيحية من المتظاهرين ترتدي الاسود هي الاخرى وتقريبا في نفس السن.. وقالت المرأة المحتجة ببراءة مذهلة “يعني مش بتسبوا النبي والمسلمين… ؟ طيب انا معاكوا بقى على الظالم والمفتري…” واانطلقت مع المرأة الاخرى “الشعب يريد اسقاط المشير”… !!ا

صورة اخرى لشاب جرئ ترك سيارته في شارع رمسيس أمام المظاهرة وانطلق لقلب المسيرة ليتحدث مع الشباب على المنصة. كان يتحدث بحرقة “ياجماعة انا معاكم اللي انتوا عايزينه على راس ابويا واللي خلفوني.. بس احنا ذنبنا ايه؟ تقطعوا الشارع ليه؟ سبونا نعدي ياجدعان وانا معاكم في اللي انتوا عايزينه” بدا صادقا في عدم اهتمامه بمطلبهم ورغبته الحقيقية في عبور الطريق ! ولكن الشاب الجرئ لم ينبته بعبارة “انا أحب النبي” بالانجليزية على التي شيرت الذي يرتديه
I love my prophet
التي فهمها بعض الغاضبين وتناقلوها بترجمتها سريعا فبدأ رد فعل غاضب تجاه الشاب الذي انقذه متظاهرون آخرين من رد فعل شديد للغاضبين. فتجمع 3 حوله لحمايته .. وهم يصرخون في الجميع .. “مش عايز حاجة، الراجل معانا.. عايز يعدي بس.. محدش يكلمه ياجدعان .. محدش يلمسه” .. وعاد الشاب الغاضب لسيارته بعد ان فشلت محاولته في المرور .. واستمرت الازمة لمدة ساعة تقريبا حتى تمكن العقلاء من اقناع المتظاهرين النائمين على الاسفلت بان يتحركوا صوب ماسبيرو لفتح الطريق !! وياليتهم ما فعلوا

أحد المذبحة:
أما ردود الفعل يوم الاحد الاسود فكانت مختلفة تماما ولم ادرى السبب حتى تابعت التلفزيون المصري للاسف
فقبل ان أصل للمسيرة وكنت في سيارتي سبني أحد المارة قائلا “ياولاد الوسخة ينعل ابوكوا ولاد دين كلب”! ولم افهم سبب انفعال الرجل وقتها
ثم انتقلت لنفق شبرا.. ركنت سيارتي فوق النفق وهممت بالانضمام للمظاهرة التي كانت وقتها تتعرض للرشق بالحجارة.
مرت المظاهرة وتجمع بعض الشباب في النفق يهتفون “الله واكبر.. الكنيسة ولعت والقسيس مات”. وحينما حاولت اللحاق بها استوقفني رجل من المارة وقالي
-بتعملي ايه هنا؟ امشي من هنا بسرعة لو شافوكي هيقطعوكي!!! خدي عربيتك وامشي من الحواري.!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

لم أفهم كيف تنبه الرجل لاني مسيحية!! لم أكن ارتدي صليبا ولا شيء يوحي اويدل على ديانتي. فقط لست محجبة! هل تمكن الرجل من تمييزي؟ هل يسهل تمييزنا في الشارع بهذا الشكل ؟!! هل الفارق بهذا الوضوح !!!!!!! هل انا سوداء؟ شعرت وقتها ان لوني مختلف … او شكلي مختلف !!
كانت نية الرجل سليمة جدا تجاه حمايتي ولكن الموقف لم يبارح ذهني وآلمني جدا

هنا ماسبيرو .. دم وعنف واشياء اخرى::
وصلت ماسبيرو وكان ماكان .. ومنظر الدماء لا يبارح مخيلتي حتى الان رغم اني لم اكن في قلب الاحداث. كنت أمام المبنى مباشرة وامام البوابة الرئيسية لماسبيرو مباشرة. تجمع عدد كبير من المتظاهرين يهتفون هتافات مختلفة .. منها “دي بلدنا” “عايزين ندخل” “يارب” وغيرها وأمامنا صف كامل من رجال الامن المركزي وامامهم ضابط شرطة عسكرية تفرغ لسب المتظاهرين .. أو بالأحري سب الاقباط جميعا “عايزين ايه ياولاد الكلب، يالا ياكفرة يا ولاد ال…” وألفاظ اخرى ولكن لم يعتدي علينا احد .. استمرت الهتافات وكانت هناك نساء كثيرات يصرخن ويبكين .. بينما خلفية المشهد حرائق وصراخ واصوات طلقات نار تنبعث من خلف صف الامن المركزي ومن قلب الاحداث.. وعساكر الجيش يجرون هنا وهناك وعلى لسانهم سباب كثير “ياولاد الكلب ..ياكفر ياولاد الكلب”ا

استمرت الهتافات وكنا نضطر من وقت لاخر التفرق حيث كانت تلقى علينا من فوق مبنى ماسبيرو زجاجات فارغة مما تسبب في اصابة بعض المتظاهرين بشظايا الزجاج وهياج شديد بسبب التصرف الغبي.. فكانوا يشعرون انهم ينتهكون لفظا وشكلا من قبل ذلك المبنى الذين يدفعون مرتبات موظفيه من ضرائبهم.

واستمر الحال إلى ان جاء الفوج الأول من البلطجية ثم الفوج الثاني .. ثم الملاحقة والمطاردة والاعتداء

البلطجي والمواطن الشريف والمصري الحقيقي:
الثلاثة يختلفون تمام الاختلاف. فالمصري الحقيقي في رأيي هم هؤلاء المارة الذين أيدوا او ستائوا من المظاهرات
“المواطن الشريف” وهي تعبير استنكاري بالطبع .. هم هؤلاء المارة الذين اعتدوا لفظا وضربا على المتظاهرين. هؤلاء رأيتهم على بعد امتار من ماسبيرو يسبون المتظاهرين “احسن الجيش هيطلع دين ابوكوا يا كفرة ياولاد الكلب” “عايزين تضربوا الجيش .. والله وبقالكوا صوت ياكلاب” وغيرها من الالفاظ اللي سمعتها بأذني منهم بعضهم حمل عصي وشوم وآخري امسكوا بالصاعق الكهربائي يهددون بيه المتظاهرين المطاردين من البلطجية وهم يضحكون ويتبادلون القفشات على الفارين المذعورين

البلطجي: هذا الشخص لا يعمل مجانا ابدا .. لانه يخاطر .. فهو يهاجم ويعمل استعراض قوة ايضا مهما كان المتظاهرين. وصل الفوج الاول حاملا السواطير والسكاكين والشوم والسيوف وبدأوا في سباب الجميع وتفريق المتظاهرين. وقفوا أمام صف الامن المركزي مع ايماءات بالرضى بين الطرفين. ومع وصول الفوج الثاني وقيامهم بالاستعراض المعتاد في وسط الشارع بدأت مطاردة المتظاهرين المذعورين بوابل من السباب من عينة “ياكفرة عايزين تضربوا الجيش ياكفاتسة ياولاد الوسخة” “ياجبنا ياكفرة..اجروا ياكفاتسة يااللي مفيكومش راجل” ..إلخ
بينما وقف ظابط الشرطة العسكرية الذي بدى عليه الارتياح المؤقت يراقب الموقف..وابتسامات من صف الامن المركزي الواقف يتفرج. ولم يكن مع أي من المتظاهرين حتى طوبه لنرد فجرينا .. وجريت .. ومن كانت تطاله ايديهم كان يتعرض للضرب المبرح..

جريت بذعر لم اشعر به من قبل … ابدا
شاركت في العشرات من المظاهرات والمسيرات .. وكنت في وسط البلد وقت الثورة وطاردنا البلطجية وسمعنا اطلاق النار ورأينا القتلى ..إلخ
ودخلت السجن من قبل في صعيد مصر في نجع حمادي واحتجزنا في أمن الدولة في قنا .. ولكني لم اشعر بذلك القدر من الخوف من قبل
طاردني احد البلطجية كان ممسكا بحزام عريض .. وقرر اني ضالته .. فاستهدفني وانا اجري وهو قريب جدا كنت اسمعه يسبني ويشرح لي ماذا سيفعل ان تمكن من اللحاق بي .. بينما الجارون من حولي يصرخون في كي اجري اسرع .. اسرع .. اسرع

كاد الاخ البلطجي ان يلحق بي ولم يطالني سوى طرف حزامه على ظهري ولكني اطلقت ساقي للريح وجريت كما لم افعل من قبل..حتى توقف هو عن محاولات اللحاق بي.
كنت اركض وانظر في عيون من حولي فإما فارين مذعورين واما اشخاص وقفوا ليشمتوا ويسبوا .. بل ويتحرشوا لفظا في معاكسات في غير وقتها ابدا !!
لم يكن فقط الخوف هو ما شعرت به .. بل الغربة ..

شعرت ان ذلك المكان ليس لي
وان تلك الارض ليست ارضي
وان هؤلاء ليسوا مثلي
وانا لست مثلهم
ولا اعرف احدا ولا احدا يعرفني .. انا وحيدة تماما كما لو كنت في دولة اخرى اتكلم لغة اخرى واهرب من مجهول

وهذا الاحساس لن انساه ما حييت .. ولن اسامح عليه أحدا !! لن أسامح عليه أحد

الان يمكنكم ان تجلسوا وتنظروا وتطرحوا سياساتكم كما تحبون .. سبوا المتظاهرين ارفضوا .. لوموا الضحية كما فعل المجلس العسكري واحباءه المتعاطفين.
استمروا في صب الملح على جراح لن تلتأم .. بل يمكنكم ايضا ان تستمروا في انتظار الانتخابات وخوضوا في جدال سياسي وتحالفات ومفاوضات .. انسوا ماحدث

انسوا تلك الليلة وانسوا الدم والغضب والحزن
ولكني اؤكد لكم جميعا
تلك الليلة لن تنساكم !!
تلك الليلة لن تنساكم !
ولن يناسكم دم الموتى الذي شربته الارض التي لم تعد تكتفي

Leave a comment